في أول اتهام رسمي لدولة الإمارات بدعم قوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش السوداني منذ الخامس عشر من أبريل الماضي، قال عضو مجلس السيادة ومساعد قائد الجيش الفريق ركن ياسر العطا: “الإمارات ترسل شحنات الأسلحة إلى الدعم السريع عن طريق عدة مطارات تشمل تشاد وأوغندا وأفريقيا الوسطى”.

وخاطب ياسر العطا الجنود والضباط وضباط المخابرات في قاعدة وادي سيدنا العسكرية التابعة للجيش غربي العاصمة السودانية مساء الاثنين متحدثا عن دعم إماراتي إلى قوات الدعم السريع عبر مطارات أم جرس وإنجمينا في تشاد، ومطار عنتيبي في أوغندا، ومن هناك إلى أفريقيا الوسطى مع تنسيق مع مجموعة فاغنر الروسية.

وقال الفريق أول ركن ياسر العطا وفقا لمقطع فيديو تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، واطلعت عليه (عاين): “المعلومات بترد لينا من المخابرات، الاستخبارات العسكرية ومن الخارجية الدبلوماسية بانو دولة الإمارات بتودي طائرات دعما لهؤلاء الجنجويد“.

وأشار العطا، إلى أن الإمارات أرسلت كميات من الإمدادات إلى قوات الدعم السريع عبر أوغندا وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد. وأضاف أن الدعم وصل هذا الأسبوع عبر مطار العاصمة التشادية نجامينا، بعد أن كان يأتي من قبل عبر أم جراس.

الشخص الخطأ

تأتي تصريحات العطا وسط أنباء عن تقدم أحرزه الميسرون في منبر جدة بالمملكة العربية السعودية في الاجتماعات التي تنعقد منذ أسبوعين بين لجنة وقف إطلاق النار ووفد الجيش والدعم السريع.

ويعتقد الباحث السياسي محمد كمال، أن تصريحات العطا جاءت من “الشخص الخطأ” لأن الجنرال الذي يطلق مثل هذه التصريحات يتعين عليه أن يقف على “شعبية صلبة“.

ويرى كمال، أن تصريحات العطا جاءت قبل أيام من زيارة مرتقبة لقائد الجيش السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان إلى أبوظبي للمشاركة في مؤتمر عن المناخ، مناقشة وضع السودان بين الجنرال السوداني وقادة الإمارات على هامش القمة.

البرهان وبن زايد في الامارات 10 مايو 2021

 

وأضاف كمال: “علينا أن نضع في الاعتبار الأنباء التي تتردد عن وُجود نائب القائد العام للجيش الفريق ركن شمس الدين الكباشي في الإمارات لبحث الأزمة مع قادة الإمارات“.

ويوضح كمال، أن تصريحات ياسر العطا جاءت صادمة، وتفتقر للدبلوماسية تماما حتى في إطلاق الاتهامات لأن وصف الإمارات بـ”المافيا” كما صرح العطا سيضعه في موقف محرج، وقد يذهب نحو الاستقالة إذا نجح تيار التسوية في منبر جدة داخل الجيش.

وقبل شهرين نشرت صحف غربية إرسال الإمارات شحنات أسلحة إلى قوات الدعم السريع عبر مطار أم جرس، وذلك عقب زيارة محمد بن إدريس ديبي الرئيس التشادي إلى أبوظبي في يونيو الماضي وحصوله على قرض إماراتي بلغ 1.5 مليار دولار.

وأقامت الإمارات مخيما طبيا قرب قاعدة عسكرية في مطار أم جرس حسب ما قالت المعارضة التشادية قبل شهرين، ورجحت أن الجنود والضباط المصابين من قوات الدعم السريع يخضعون للعلاج في هذا المخيم الذي شيدته الإمارات على نفقتها الخاصة.

خطاب المخابرات

ويقول مصدر من تنسيقية القوى المدنية في حديث لـ(عاين): إن “تصريحات ياسر العطا لن تنسف الجهود التي أحرزت تقدما في منبر جدة”. ويضيف: إن “زيارة الكباشي إلى الإمارات جاءت بعد طلب البرهان لدى زيارته إثيوبيا من رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بتسليم طلب إلى الإمارات بالتوقف عن إرسال المساعدات العسكرية إلى قوات الدعم السريع“.

وأضاف هذا المصدر: “أبلغ آبي أحمد البرهان أنه قد يساعده على التنسيق مع أبوظبي لاستقبال مبعوث سوداني؛ ولذلك تم إرسال الكباشي لنقاش هذه الأزمة مع قادة الإمارات“.

واعتبر المصدر تصريحات العطا بمثابة خطاب المخابرات حيث يتصدر ضباط ينتمون إلى الحركة الإسلامية مناهضة التسوية بين الجيش والدعم السريع لذلك فإن هذا الخطاب ربما يكون فاصلا بين الجيش والعناصر الإسلامية التي تشعل الحرب.

تقارب مع الإسلاميين

بالمقابل يرجح المحلل السياسي، مصعب عبد الله، احتمالات أخرى لتصريحات ياسر العطا التي خرجت بالاتهامات إلى الإمارات من الغرف المغلقة إلى العلن، فهو يرى أن العطا أصبح مقربا من الإسلاميين الذين يقودون الكتائب التي تقاتل في الحرب ضد الدعم السريع، وربما هناك صفقة بين الطرفين لامست طموحات هذا الجنرال الذي عمل في الحرب الأهلية في جنوب السودان، ويريد أن يختم حياته بمنصب سياسي رفيع خاصة مع تآكل شعبية البرهان وعدم رغبة الإسلاميين في استمراره قائدا للجيش.

وأردف عبد الله: “هذه الاحتمالات ستضعف أيضا إذا لم يصدر الجيش أو مجلس السيادة يتبرأ فيه من تصريحات العطا، لكن إذا لم يحدث ذلك فإن زيارة البرهان إلى أبوظبي ربما تُلْغَى“.

ويقول عبد الله، إن تصريحات ياسر العطا جاءت لنسف جهود السلام في منبر جدة وتصعيد للموقف الميداني لفرض خيارات الجيش على طاولة المفاوضات أو استمرار الحرب خاصة وأن العسكريين عقدوا تفاهمات مع روسيا على “بتر أيادي فاغنر” في السودان، والكف عن مساعدة الدعم السريع.

وأردف: “موسكو وافقت على ذلك، واستقبل سفيرها الجديد الأسبوع الماضي في بورتسودان لذلك الجيش ربما يشعر أنه قد يكون في موقف قوة، وينتصر عسكريا على الدعم السريع دون اللجوء إلى التفاوض ما يرجح أن تصريحات العطا جاءت بموافقة من الجيش”.