شبكة قنديل الاخبارية

كتابات عثمان ميرغني يكتب تصريحات الجنرال دقلو الدولارية

مصدر الخبر / جريدة التيار
لا تزال معركة التصريحات مستمرة بين أقطاب المكوِّن العسكري، آخرها الرد –المنتظر- من الفريق أول محمد حمدان دقلو، فقال أمس: (الاتفاق الإطاري بجيب الدولار عشان مدعوم دولياً)، ولا شك عندي أن توقيع الاتفاق الإطاري يدفع بالعملية السياسية إلى الخطوة الأهم وهي بلوغ مرحلة تكوين الحكومة الانتقالية وبقية هياكل الدولة، ولكن ما علاقة الإطاري بالدولار؟

ربما قصد الجنرال دقلو تبسيط المعنى لدى المواطن العادي فربط بين توقيع الاتفاق الإطاري والانفتاح دولياً بما يسمح للاقتصاد السوداني التعافي وتطبيع العلاقات مع المؤسسات المالية الدولية. لكن في المقابل فإن مثل هذا الخطاب الذي يجعل المواطن السوداني يعلق كل آماله في “الخارج” مؤذٍ للغاية وقد يحبط ويقلِّل من فرص النمو الذاتي.

السودان دولة مترفة بالخيرات وما يعوذه ليس “الدولار”، بل “الأفكار” التي يمكن أن تحوِّله إلى دولة منتجة ومانحة لا مستهلكة ومتسوِّلة، والمحك في هذا أن يُرَّكِز الخطاب العام للدولة على استنفار الهمة الوطنية والسير في طريق النهضة السودانية التي تعتمد على الرؤية السديدة والخطة الاستراتيجية البصيرة ثم المؤسسات القديرة على قيادة البلاد دون ارتباط بالشخصيات.

الماعون السياسي السودان ضيِّق للغاية لا يحتمل الشراكة المؤثرة في الرأي وصناعة القرار ولا يرتقي لاستيعاب “الأفكار” التي تستثمر خبرة 67 من عمر السودان المستقل لمواكبة التطوُّر الكوني على مستوى العالم من حولنا.

من أكبر محبطات الملعب السياسي السوداني أنه يقاتل بضراوة ليمنع “الأفكار” الجديدة من تعكير صفو المُسَلّمات القديمة المتوارثة في الحياة السياسية السودانية..ساسة يفضِّلون أن تنحني البلاد لمستوى طموحاتهم بدلاً من أن ترتقي لما يجب أن يكون عليه الحال في ظل عالم اليوم الذي أصبحت فيه المعارف البشرية متاحة للجميع.. ولا يحتاج السودان لإعادة اختراع العجلة.

السودان ليس في حاجة لـ”الدولار”، بل “الأفكار”، لأن الدولار سيأتي يجر أذياله خلف “الأفكار” الرصينة التي تبني وطناً شامخاً يستوعب جهد وفكر كل بناته وأبنائه، فالذي يحتاجه السودان اليوم خطاباً قوياً يستنهض الهِمة السودانية لتصنع النهضة بدلاً من أن تتسوَّل العالم أعطوها أو منعوها.

عالم اليوم، يعتمد مبدأ شراكة الهموم الإنسانية، من كل حسب هِمته ولكل حسب إسهامه، تجتهد كل الشعوب لتكون شريكاً ناجحاً يقدِّم ما عنده من أجل البشرية والإنسانية جمعاء.. بينما أمم أخرى تمد عينيها إلى ما في أيد الآخرين وتنتظر عطايا يد عليا ليد سفلى.

بعض الأمم لم ينعم الله عليها لا بأرض ولا موارد طبيعية –مثل اليابان وكوريا الجنوبية- ومع ذلك تعتمد مبدأ (موارد محدودة،إبداع غير محدود) Limited resources, unlimited creativity)

والعبارة شاهدتها مكتوبة بخط كبير في بوابة مصانع شركة “هونداي” بكوريا الجنوبية.

بينما شعوب أخرى – مثلنا- تغرق في المعارك الصغيرة.. وتنتظر الأخرين أن يجودوا عليها بـ”الدولار”، فحتى عندما ترضى باتفاق إطاري، فلأجل أن يشكرها العالم بـ”دولار”.

يا شعب السودان.. “الأفكار” قبل “الدولار”.. على رأي الشاعر المتنبي :

الرأي قبل شجاعة الشجعان..هو الأول وهي في المحل الثاني.

و “رأس المال” يعني “الرأس” أولاً ثم “المال”

اكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.