شبكة قنديل الاخبارية

هل تتقاطع الرواية وخاصية اللغة …؟

….هل تتقاطع الرواية وخاصية اللغة …؟؟
..دراسة نقدية ..النيل مكي قنديل ..
..حينما طالعت مؤلف سمير الشريف ( نقد الرواية من وجهة نظر الدراسات اللغوية الحديثة ) قرأت بأنه قد أشار في إفتتاحية دراسته إلى( تضطر قراءة العمل الأدبي للفكر للتحرك في اتجاهين ( الزمن وما يثيره في نفس المتلقي من علامات وروابط ، وثانيهما ،ما يجذب تجاه بؤرة النص من سرد حيث مركزه الفكري وثقله مع ما يتصاعد من ألفاظ يربط بينهما ويجلو دلالاتها لكي يصل بالقارئ إلى ماوراء الألفاظ ) ، ومن خلال رصدي ومتابعتي لهذه الدراسة أطرح السؤال الجوهري التالي : كيف نصل إلى المعنى الذي يختبيئ خلف الحروف ؟ وكيف نظل على يقين من أن هذا المعنى بعينه هو ما أراده الكاتب ؟ .وبالتالي ماهي الأداة التي تمكنا من الحكم على نجاح المؤلف في إيصال مضامينه ؟ تبينت من طرح هذا السؤال والذي تفرعت منه عدة أسئلة أن الإجابة قد أثارت بين أصحاب المناهج القديمة والحديث. من يتبنون الدراسات اللغوية الأسلوبية العديد من علامات الاستفهام، وهذا ماحاولته دكتورة نبيلة ابراهيم بالعثور على وسيلة موضوعية فعالة لنقد العمل الروائي نقدا يعتمد على منهجية محددة يساعدنا في الكشف عن علاقة هذا الفن الأدبي الحديث الصعب من ملامسة جراحات المجتمع ورصد مايمور به من تيارات ، يقودنا هذا التحليل لنتساءل من إتجاه آخر كمدخل لدراسة الرواية لنطرح هذا السؤال : هل من خلاف مابين الشعر والنثر مع إنهما يستخدمان وسيلة واحدة هي الكلمة ..؟
في الرد على هذا السؤال آنف الذكر ، نقول نعم هناك فروق بارزة بينهما ، فالشعر رقص ، والنثر مشي هادئ ومتسق ، كما أن الإنسان لايرقص الا إذا ما تملكته حالة شعورية خاصة ، ورغبة ملحة في التعبير عن إيقاعه الداخلي المخفي ويأتي ذلك في شكل إيقاعات حركية ، أما المشي فيكون مصحوبا بالتفكير الهادئ الذي يقف عن قرب ليس ببعيد من العالم الواقعي ، لذا فرق الناقد الألماني ( لسنج ) بين الفنون المختلفة على أساس من إختلاف الوسائل والأدوات وعبر دراستي هذه أستطيع أن أميز مابين الشعر والقصة ، ففي الشعر الكلمة بطاقاتها التصويرية والتشكيلية والإيقاعية ، وفي هذا الإتجاه لاتكون مهمتها حكاية الحدث دون غيره من تفاصيل ، حيث أن الشعر طاقة إنفعالية وشعورية مكثفة إزاء حدث ما
..نرى في الرواية مطلوب من الكاتب أن يختبئ وراء عمله وأن يترك المجال فسيحا لحركة الشخوص بحرية ضمن علاقات تربطها الأفعال في حركة متنامية وزمن متحرك بين الماضي والحاضر أو العكس ، ثم من الحاضر والماضي إلى المستقبل ، هذا الدور المهم للغة القصة جعل النقاد يختلفون حول المنهج لنقد هذه اللغة ، حيث إنصب جهد أصحاب الدراسات اللغوية الحديثة على البحث في قابلية الإستفادة من هذه الدراسات في نقد العمل الأدبي ، وهنا يكمن سؤال : بعد أن تطورت الدراسات النقدية ودخلت مراحل علمية على يد ( سوسير وتشومسكي وجاكسون ) هل لازالت الطريقة النقدية التقليدية كافية وناجحة لدراسة الأنماط القصصية ؟؟
ونمضي في تحليلنا لنقرأ رأي كل جانب عبر رؤيته للغة ضمن العمل القصصي والروائي :
أصحاب المنهج التقليدي في النقد يعتبرون أن اللغة هي دائما نقطة البداية ، إذ يقولون أن الرواية لايمكنها أن تلغي الواقع الخارجي ، بل في مقدورها أن تحيله إلى عالم ساحر تتحرك من خلاله الشخوص والأشياء بوصفها رموزا لمايجري في عالم الواقع ، كما أن اللغة ليست غير وسيلة لصنع هذه الرموز والتي تلتحم معا لتشكيل مناظر وحركات وشخوص وتجارب ، كما أن مهمة النقد تتمثل في حالة الكشف عن قيم الحياة وفق مايصورها الكاتب لتبرز عمق الشخصيات وسبر أفعالها، أما أصحاب الدراسات الأسلوبية فيرون أن المشكلة الأساسية تكمن في النقد التقليدي ، وإحتكام أصحابه للحكم الذاتي لا للقوانين الموضوعية طالما أن محور العلم الأدبي هو اللغة ، والتي تتألف في تراكيبها من الرموز والصور والشخوص والحركة ثم الفكرة ..وإذا كانت اللغة تشكل نظاما متكاملا حسبما تفضي به ( الكشوفات ) وتحاليل الدراسات اللغوية فإن الجهد حسب رأي معظم النقاد ينبغي أن يرتكز حول محور التركيب اللغوي للوصول إلى الأساس الثابت والدائم الذي يختبيئ خلف الآراء الذاتية ، وفي هذا الإطار نرى أن مهمة النقد تتجه إلى تحويل الأحكام القيمية إلى ماهو واقعي وحادث فعلا لا عبر تخييل الفعل وسرده ، كما أن الطريقة المثلى من وجهة نظري النقدية ، تتمثل في إقتراح طرح الأحكام الشخصية والاستفادة منها كمؤشرات تصب داخل مستودع الخبرات ولهذا يلخص أصحاب المنهج اللغوي رأيهم في الآتي :
– الأسلوب هو الوسيلة الناجعة التي يكشف عن طريقها رسالته ومضمونها
– دراسة الأسلوب تتم بالربط بين نوايا الكاتب وأشكال اللغة التي يستخدمها ، إذ لايمكن في هذا الصدد بالقطع فيما يختص بنوايا الكاتب ، وفي هذا المنحى لابد من الإستعاضة بإستجابات المتلقي والتي قد تتأثر بالاحكام الذاتية ..
بناء على ما سبق أرى عبر دراستي النقدية تلك بأنه يجدر بنا الإحتكام إلى النص كله ، بدءا من الكلمة إلى الجملة ، إلى الفقرة ليتم الوصول إلى معايير ثابتة تتضافر عناصر الرواية جميعها على إبرازها حيث أن مهمة الكاتب حسب رأي النقاد تنحصر في إختيار الكلمات التي تصلح لأن تأتي بإشارات ورموز للتجربة التي ينوي الكاتب نقلها للقراء ، وبعد كل ذلك تأتي مهمة الناقد الذي يغوص في التراكيب والألفاظ بحثا عن الشحنات الدلالية فيها وعلاقاتها ببعضها البعض وصولا إلى جوهر المعنى الذي يربض خلف هذه الدلالات ومايمكن أن تثيره من إستجابات سلوكية ، ومن وجهة نظري النقدية أرى أن أهم الأبحاث التي أفادت في لغة التعبير الأدبي هو ماقام به العالم ( سوسير ) والذي تعتبر أبحاثه هي حجر الزاوية الذي أسس عبره الباحثون لبناء دراساتهم والتي أفاد منها النقاد في تحليلاتهم للأعمال الأدبية
..ومن خلال رصدنا لهذه الدراسة نرى أن( سوسير ) توقف بإزاء مستويات ثلاث للغة ، وميز بينهما : اللغة كنظام ، واللغة كصياغة ، واللغة كنطق كالآتي :
..درس الأولى بوصفها نظاما كونيا ، أي أنه حصر البحث في هذا المجال بنظام اللغة بوصفها كظاهرة عامة ، والتركيز على علم الأصوات بوصفه مستوى من مستويات اللغة ولكل ذلك ندرس لغة الطفل إبتداء
_ هي التي تميز قدرة الفرد على إستغلال كل الطاقات اللغوية في إطار نظامها وهي بذلك تكشف عن طاقة فردية لغوية ..
_ أدرجها الباحثون اللغوية ضمن أبحاثهم لأنها تمثل مستوى من مستويات اللغة التي يستقبلها المستمع تلقائيا بوصفها وسيط توصيل مباشر للفكر ..
..وفي هذا الإتجاه أرى أن الدراسات اللغوية مازال لها الفضل الكبير على بعض المناهج اللغوية والتي استفادت من تلك الدراسات محولة النظريات إلى منهج يوضح كيف يمكن أن تتحول اللغة إلى نظام قائم بذاته ، حيث برز بوضوح المنهج الواقعي والبنائي ، أما الواقعي فيضع دائما نصب عينيه علاقة الرواية بالواقع ، إذ نجده من أكثر المناهج ارتباطا بالعمل الروائي ، معتبرا الفن الروائي من أقرب الأشكال الأدبية إلى الواقع ولهذا صمد المنهج في وجه التيارات النقدية المتعددة ، وفي إتجاه آخر من دراستي النقدية تلك أرى أن أهم القيم الجمالية تتمثل في تلك العلاقات الملزمة ، والتي تتقاطع مابين الفن والمجتمع ، والتي لا تكدس الواقع بل تنظمه على نحو خلاق مبرزا تلك العلاقات المتناقضة في مناحي الحياة المتعددة وصولا إلى حل يسمو بالواقع ولذلك عارض هذا المنهج المدرسة الرومانسية والكلاسيكية الجديدة والطبيعية وهكذا يطرح أصحاب المنهج الواقعي قضية علاقة العمل الأدبي بالحياة ويتمثل ذلك في الآتي :
_ علاقة الرواية بالحياة وذلك بتعبيرها عن أنماط سلوكية إنسانية لها ما يقابلها في الحياة ، بينما بعض السلوكيات والإستجابات خفية عن الواقع
_ يحاول كل إنسان أن يجعل من تفكيره وعواطفه وسلوكه تركيبة موحدة تأتي مقنعة ، وإلا فإن حياته سيغلفها الاضطراب والتشويش ، ولهذا فالتكيف الحياتي ضرورة إجتماعية وهذا ما تصنعه الرواية في حياتنا ، وعبر هذه المحصلة من دراستنا النقدية تلك نقف إلى أن المنهج البنائي في دراسة الأدب يعتمد في بحثه على النظر للعمل الأدبي كبناء متكامل ….

…قنديل …

ي

تعليق 1
  1. Safa Safa يقول

    كلام في غاية الاهميه

اكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.